فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {إِنَّ هَؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ} يعني: مهلك مفسد ما هم فيه من عبادة الأصنام {وباطل} يعني: ضلال {مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} والتبار: الهلاك.
كقوله تعالى: {رَّبِّ اغفر لِى ولوالدى وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِىَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ والمؤمنات وَلاَ تَزِدِ الظالمين إِلاَّ تَبَارًا} [نوح: 28] أي: هلاكًا. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {إِنَّ هَؤُلاَءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ}.
في {متبر} ثلاثة أوجه:
أحدها: باطل، قاله الكلبي.
والثاني: ضلال، حكاه أبو اليسع.
والثالث: مهلك، ومنه التبر، الذهب. وفي تسميته بذلك قولان:
أحدهما: لأن موسى يهلكه.
والثاني: لكسره، وكل إناء مكسور متبّر قاله الزجاج. وقال الضحاك هي كلمة نبطية لما ذكرنا. اهـ.

.قال ابن عطية:

أعلمهم موسى عن الله عز وجل بفساد حال اولئك القوم ليزول ما استحسنوه من حالهم فقال: {إن هؤلاء} إشارة إلى أولئك القوم {متبر} أي مهلك مدمر ردي العاقبة، قاله السدي وابن زيد، والتبار الهلاك وسوى العقبى وإناء متبر أي مكسور وكسارته تبر ومنه تبر الذهب لأنه كسارة، وقوله: {ما هم فيه} لفظ يعم جميع حالهم {وباطل} معناه فاسد ذاهب مضمحل. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {إن هؤلاء متبرٍ ما هم فيه} أي مهلك والتتبير الإهلاك {وباطل ما كانوا يعلمون} البطلان عبارة عن عدم الشيء إما بعدم ذاته أو بعدم فائده ونفعه والمراد من بطلان عملهم أنه لا يعود عليهم من ذلك العمل نفع ولا يدفع عنهم ضرًا لأنه عمل لغير الله تعالى فكان باطلًا لا نفع فيه. اهـ.

.قال أبو حيان:

{إن هؤلاء متبرّ ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون}.
الإشارة بهؤلاء إلى العاكفين على عبادة الأصنام ومعنى متبرّ مهلك مدمر مكسر وأصله الكسر، وقال الكلبي: مبطل، وقال أبو اليسع: مضلل، وقال السدّي وابن زيد: مدمر رديء سيىء العاقبة وما هم فيه يعمّ جميع أحوالهم وبطل عملهم هو اضمحلاله بحيث لا ينتفع به وإن كان مقصودًا به التقرّب إلى الله تعالى: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورًا} قال الزمخشري: وفي إيقاع {هؤلاء} إسمًا لإن وتقديم خبر المبتدأ من الجملة الواقعة خبرًا لها واسم لعباده بأنهم هم المعرضون للتبار وأنه لا يعدوهم البتة وأنه لهم ضربة لازم ليحذرهم عاقبة ما طلبوا ويبغض لهم فيما أحبوا انتهى ولا يتعيّن ما قاله من أنه قد جزم خبر المبتدأ من الجملة الواقعة خبرًا لأنّ لأن الأحسن في إعراب مثل هذا أن يكون خبر {إن} {متبر} وما بعده مرفوع على أنه مفعول لم يسمِّ فاعله وكذلك ما {كانوا} هو فاعل بقوله: {وباطل} فيكون إذ ذاك قد أخبر عن اسم إنّ بمفرد لا جملة وهو نظير أن زيدًا مضروب غلامه فالأحسن في الإعراب أن يكون غلامه مرفوعًا على أنه لم يسمّ فاعله ومضروب خبر أن والوجه الآخر وهو أن كون مبتدأ ومضروب خبره جائز مرجوح. اهـ.

.قال أبو السعود:

قوله: {إِنَّ هَؤُلاء} يعني القومَ الذين يعبدون تلك التماثيلَ {مُتَبَّرٌ} أي مُدمّرٌ مكسَّرٌ {مَّا هُمْ فِيهِ} أي من الدين الباطلِ أي يُتبرّ الله تعالى ويهدِم دينَهم الذي هم عليه عن قريب ويحطّم أصنامَهم ويتركها رُضاضًا، وإنما جيء بالجملة الاسميةِ للدلالةِ على التحقق {وباطل} أي مضمحلٌّ بالكلية {مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} من عبادتها وإن كان قصدُهم بذلك التقريبَ إلى الله تعالى فإنه كفرٌ محضٌ، وليس هذا كما في قوله تعالى: {وَقَدِمْنَا إلى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا} كما تُوهم فإن المرادَ به أعمالُ البِرِّ التي عمِلوها في الجاهلية فإنها في أنفسها حسناتٌ لو قارنت الإيمانَ لاستتبعت أجورَها وإنما بطَلت لمقارنتها الكفرَ، وفي إيقاع هؤلاءِ اسمًا لإن وتقديمِ الخبر من الجملة الواقعةِ خبرًا لها وسْمٌ لعبدة الأصنامِ بأنهم هم المُعرَّضون للتبار وأنه لا يعدوهم ألبتةَ وأنه لهم ضربةُ لازبٍ ليحذّرهم عاقبةَ ما طلبوا ويُبغِضَ إليهم ما أحبوا. اهـ.

.قال الألوسي:

{إنَّ هَؤُلاَء} أي القوم الذين يعكفون على هذه الأصنام {مُتَبَّرٌ} أي مدمر مهلك كما قال ابن عباس {مَا هُمْ فيه} من الدين يعني يدمر الله تعالى دينهم الذي هم عليه على يدي ويهلك أصنامهم ويجعلها فتاتًا {وباطل} أي مضمحل بالكلية، وهو أبلغ من حمله على خلاف الحق {مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي ما استمروا على عمله من عبادتها وإن قصدوا بذلك التقرب إلى الله تعالى وأن المراد أن ذلك لا ينفعهم أصلاف، وحمل {ما كانوا يعملون} على الأصنام لأنها معمولة لهم خلاف الظاهر جدًّا، والجملة تعليل لإثبات الجهل المؤكد للقوم، وفي إيقاع اسم ازشارة كما في الكشف أن اسم الإشارة بعد إفادة الإحضار وأكمل التمييز يفيد أنهم أحقاء بما أخبر عنه به بواسطة ما تقدم من العكوف، والتقديم يؤذن بأن حال ما هم فيه ليست غير التبار وحال عملهم ليست إلا البطلان فهم لا يعدونهما فهمًا لهم ضربة لازب.
وجوز أبو البقاء أن يكون {ما هم فيه} فاعل متبر لاعتماده على المسند إليه وهو في نفسه مسًا ولاحتمال أن يكون ما هم فيه مبتدأ ومتبر خبر له أو ارجح منه إلا أن المقام كما قال القطب وغيره اقتضى ذلك فليفهم. اهـ.

.قال القاسمي:

{إِنَّ هَؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [139].
{إِنَّ هَؤُلاء} يعني عَبْدة تلك التماثيل {مُتَبَّرٌ} أي: مهلك.
{مَّا هُمْ فِيهِ} أي: من الشرك {وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} أي: عبادة الأصنام، وإن كان قصدهم بذلك التقرب إلى الله تعالى، فإنه كفر محض.
قال الرازي: أجمع كل الأنبياء، عليهم السلام، على أن عبادة غير الله تعالى كفر، سواء اعتقد في ذلك الغير كونه إلهًا للعالم، أو اعتقد أن عبادته تقرب إلى الله تعالى، لأن العبادة نهاية التعظيم، فلا تليق إلا بمن يصدر منه غاية الإنعام، وهي بخلق الجسم والحياة والشهوة والقدرة والعقل وخلق الأشياء المنتفع بها.
والقادر على هذه الأشياء ليس إلا الله تعالى، فوجب أن لا تليق العبادة إلا به. انتهى.
وعن أبي واقد الليثي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى غزوة حنين مر بشجرة للمشركين كانوا يعلقون عليها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط، فقالوا: يا رسول الله! اجعل لنا ذات أنواط، كما لهم ذات أنواط. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سبحان الله! هذا كما قال قوم موسى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَة} والذي نفسي بيده! لتركبن سنن من كان قبلكم»- أخرجه الإمام أحمد والترمذي وابن جرير وغيرهم-.
وقال الإمام أبو بكر الطرطوشي المالكي: انظروا رحمكم الله أينما وجدتم سدرة أو شجرة يقصدها الناس، فيعظمونها ويرجون البرء والشفاء من قبلها، ويضربون بها المسامير والخرق، فهي ذات أنواط، فاقطعوها.
وقال الحافظ أبو شامة الشافعي الدمشقي في كتاب البدع والحوادث: وقد عم الإبتلاء بتزيين الشيطان للعامة تخليق الحيطان والعمد، فيفعلون ذلك ويحافظون عليه، مع تضييعهم فرائض الله وسننه، ويظنون أنهم متقربون بذلك، ثم يتجاوزون هذا إلى أن يعظم وقع تلك الأماكن في قلوبهم، فيعظمونها، ويرجون الشفاء لمرضاهم، وقضاء حوائجهم، وبالنذر لها، هي من بين عيون وشجر وحائط وحجر.
ثم شرح شجرة مخصوصة فقال: ما أشبهها بذات أنواط، التي في الحديث.
وروى ابن وضاح في كتابه قال: سمعت عيسى بن يونس يقول: أمر عُمَر بن الخطاب رضي الله عنه بقطع الشجرة التي بويع تحتها النبي صلى الله عليه وسلم فقطعت، لأن الناس كانوا يذهبون فيصلون تحتها، فخاف عليهم الفتنة. ولهذا البحث تتمة مهمة في إغاثة اللهفان لابن القيم. فلتنظر. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وجملة {إن هؤلاء متّبرٌ ما همُ فيه} بمعنى التعليل لمضمون جملة {إنكم قوم تجهلون} فلذلك فصلت عنها وقد أكدت وجعلت اسمية لمثل الأغراض التي ذكرت في أختها، وقد عُرّف المسند إليه بالإشارة لتمييزهم بتلك الحالة التي هم متلبسون بها أكمل تمييز، وللتنبيه على أنهم أحرياء بما يَرِد بعد اسم الإشارة من الأوصاف وهي كونهم متّبرا أمرهم وباطلًا عملهم، وقُدم المسند وهو {متَبّر} على المسند إليه وهو {ما هم فيه} ليفيد تخصيصه بالمسند إليه أي: هم المعرضون للتّبار وأنه لا يعدوهم البتة، وأنه لهم ضربة لازب، ولا يصح أن يجعل {متَبر} مسندًا إليه لأن المقصود بالإخبار هو ما هم فيه.
والمتَبّر: المدمّر، والتّبَار بفتح التاء الهلاك {ولا تزد الظالمين إلاّ تبارًا} [نوح: 28].
يقال نَبَر الشيء كضرب وتعب وقتل وتَبّره تضعيف للتعدية، أي أهلكه والتتبير مستعار هنا لفساد الحال، فيبقى اسم المفعول على حقيقته في أنه وصف للموصوف به في زمن الحال.
ويجوز أن يكون التتبير مستعارًا لسوء العاقبة، شبه حالهم المزخرفُ ظاهرهُ بحال الشيء البهيج الآيل إلى الدمار والكَسْر فيكون اسم المفعول مجازًا في الاستقبال، أي صائِر إلى السوء.
و{ما هم فيه} هو حالهم، وهو عبادة الأصنام وما تقتضيه من الضلالات والسيئات ولذلك اختير في تعريفها طريق الموصولية لأن الصلة تحيط بأحوالهم التي لا يحيط بها المتكلم ولا المخاطبون.
والظرفية مجازية مستعارة للملابسة، تشبيهًا للتلبس باحتواء الظرف على المظروف.
والباطل اسم لضد الحق فالإخبار به كالإخبار بالمصدر يفيد مبالغة في بطلانه لأن المقام مقام التوبيخ والمبالغة في الإنكار، وقد تقدم آنفًا معنى الباطل عند قوله تعالى: {فوقع الحَقُّ وبَطَل ما كانوا يعملون} [الأعراف: 118].
وفي تقديم المسند، وهو {باطل} على المسند إليه وهو {ما كانوا يعملون} ما في نظيره من قوله: {متبر ما هم فيه}. اهـ.

.قال الشعراوي:

{إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139)}.
و{مُتَبَّرٌ} أي هالك ومدمر، وهنا يوضح لهم موسى أن هؤلاء الجماعة التي تعبد الأصنام؛ وهم وأصنامهم هالكون، وما يعملون هو باطل لأن قضايا الكون إن أردتم أن تعرفوا حقيقتها، فلابد لها من ثبوث، والحق ثابت لا يتغير أبدًا لأن له واقعًا يُستقرأ، ومثال ذلك إذا حصلت حادثة بالفعل أمامنا جميعًا، ثم طلب من كل واحد على انفراد أن يقول ما رآه فلن نختلف في الوصف لأننا نستوحي واقعًا، لكن إن كانت القضية غير واقعية فكل واحد سيقولها بشكل مختلف، ولذلك نجد من لباقة القضاء أن القاضي يحاور الشهود محاورات ليتبيّن ما يثبتون عليه وما يتضاربون فيه. وإن كان الشهود يستوحون حقيقة واقعية، فلن يختلفوا في روايتهم، ولكنهم يختلفون حين لا يتأكد أحدهم من الواقعة أو أن تكون غير حقيقية.
والمثل العربي يقول: إن كنت كذوبًا فكن ذكورًا أي إن كذبت- والعياذ بالله- وقلت قولًا غير صادق فعليك أن تتذكر كذبتك، وأنت لن تتذكرها لأنها أمر متخيّل وليس أمرًا ثابتًا. وقد يجوز أن يأخذ غير الواقع زهوة ولمعانًا فنقول: إياك أن تغتر بهذه الزهوة لأن الحق سبحانه وتعالى يقول: {أَنَزَلَ مِنَ السماء مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فاحتمل السيل زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النار ابتغاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كذلك يَضْرِبُ الله الحق والباطل فَأَمَّا الزبد فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ الناس فَيَمْكُثُ فِي الأرض كذلك يَضْرِبُ الله الأمثال} [الرعد: 17].
لقد شبه سبحانه الباطل بالزبد وهو ما يعلو السائل أو الماء من الرغوة والقش والمخلفات التي تعوم على سطح المياه إنه يتلاشى ويذهب، أما ما ينفع الناس فيبقى. ونحن نختبر المعادن لنعرف هل هي مغشوشة أو لا.. ونعرضها على النار، فيطفوا ما فيها من مادة غير أصيلة وما فيها من شوائب، ويبقى في القاع المعدن الأصيل.
وهنا يقول الحق على لسان موسى: {إِنَّ هؤلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 139].
والأحداث إما فعل أو قول، والقول: عملية اللسان، والفعل: لبقية الجوارح، وكل الأحداث ناشئة عن قول أو عن فعل، والقول والفعل معًا هما عمل. ولذلك يقول الحق: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ} [الصف: 2].
إذن فالعمل يشمل القول، ويشمل الفعل.
وقوله الحق: {وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} إن الأصنام التي كانوا يصنعونها ويعبدونها، كانت تقوم على أقوال وأفعال، كأن يقولوا: يا هبلٍ، يا لات، يا عزّى، ويناجون هذه الأصنام ويطلبون منها أن تحقق لهم بعضًا من الأعمال وكانوا يقفون أمامها صاغرين أذلاء، إذن فقد صدر منهم قول وفعل يضمهما معًا العمل. اهـ.